دفع البرتغالي جوزيه مورينيو ثمن غروره واعتماده الكبير على تجاربه السابقة مع برشلونة فذاق ريال مدريد ثاني هزيمة ساحقة له في السنوات الثلاث الأخيرة أمام غريمه اللدود، فيما أثبت جوزيب غوارديولا المدير الفني لبرشلونة أنه أفضل من يتعامل مع الكلاسيكو رغما عن أنف كل منتقديه.
وبالرغم من كل الترشيحات التي صبت في اتجاه الفريق الملكي قبل المباراة، فإن الأمر لم يستغرق 18 دقيقة قبل أن تنتهي المباراة عمليا.
غرور مورينيودخل مورينيو المباراة بذاكرة تجاربه السابقة مع برشلونة العام الماضي عندما كان مدربا لإنتر ميلان، وقد بدا ذلك في "الدروس الخصوصية" التي أعطاها المدرب البرتغالي لكل من يرغب في التغلب على برشلونة، بما فيهم غوارديولا الذي يبدو أنه استوعب الدرس، لكن غرور إنتر وتشيلسي السابق منعه من عمل "مراجعة نهائية" قبل موعد الامتحان العسير.
المدرب البرتغالي لعب بطريقة 4-2-3-1 شبه سلسة semi fluid، حيث انقسم الملعب معه إلى نصفين، نصف دفاعي برباعي الدفاع مع الثنائي سامي خضيرة وشابي ألونسي في مركزي الارتكاز، فيما لعب بأربعة لاعبين في النصف الهجومي بمسعود أوزيل كصانع ألعاب، وعلى الطرفين كريستيانو رونالدو وأنخل دي ماريا يتبادلان موقعيهما كـ"مهاجم للداخل" أو "inside forward"، بينما لعب كريم بنزيمة كرأس حربة وحيد.
واعتمد "الاستثنائي" - كما يصف نفسه – على خط الدفاع العميق deep defensive line مع اللعب المباشر direct play من أي لاعب يقطع الكرة سواء من الخط الخلفي أو من ثنائي الارتكاز إلى أي من ثلاثي الوسط الهجومي لبدء الهجمة المرتدة التي بنى خطته عليها.
غوارديولا التلميذ النجيبخرجت معظم عناوين الصحف عقب خروج برشلونة أمام إنتر ميلان العام الماضي على نغمة واحدة هي "انتهى الدرس يا غوارديولا".. وبالفعل تعلم مدرب برشلونة كيف يواجه منافسه البرتغالي ونجح في الاختبار بنسبة خمسة على خمسة.
غوارديولا لعب بطريقته المعهودة 4-1-2-3 شبه سلسلة، حيث قسم فريقه إلى نصفين، نصف مدافع تكون من رباعي الدفاع مع سيرخيو بوسكيتس الذي لعب دور المرساة anchor man وهدفه الرئيسي تكسير هجمات الريال، الدور الذي يلعبه ببراعة منذ صعوده للفريق الأول.
أما النصف الثاني فتكون من ميسي وبيدرو اللذين لعبا كمهاجمين للداخل inside forward، فيما لعب دافيد فيا دور المهاجم الخدعة False nine، حيث يغادر منطقة الجزاء كثيرا متحركا على الأطراف أو لوسط الملعب، فيما يقوم بدوره في الهجوم أي من ميسي وبيدرو.
وكان لثنائي الوسط شابي وإنييستا الدور الأكبر، حيث لعب الأول دوره المعتاد كصانع ألعاب متأخر deep lying playmaker، ولعب الثاني دورا متوازنا في خط الوسط من أجل نقل الهجوم من الدفاع للهجوم عبر سلسلة من التمريرات القصيرة وهو الأسلوب الذي يلعب به برشلونة دائما.
خطايا الاستثنائيارتكب مورينيو العديد من الخطايا التي أهدت برشلونة الفوز الساحق عليه وأنهت المباراة مبكرا، إذ انتظر معظم الخبراء أن يشرك المدرب البرتغالي لاعبه الفرنسي لاسانا ديارا بدلا من أوزيل، ويلعب بثنائي في وسط الملعب يقابل الثنائي شابي وإنييستا، فيما يبقى تحتهما ألونسو كلاعب ارتكاز، ثم يشرك أوزيل حسب سير المباراة.
لكن البرتغالي عكس الوضع، فبدأ بأوزيل على حساب "لاس"، ثم أخرج اللاعب الألماني وأشرك الفرنسي بدلا منه في مطلع الشوط الثاني، ولكن بعد خراب مالطة.
ثاني الخطايا كانت الاعتماد على مارسيلو كظهير أيسر منذ البداية، وهو إذا كان لاعبا متميزا على الصعيد الهجومي، فإنه لا يمكن الاعتماد عليه دفاعيا، وخاصة أمام لاعبين مثل ميسي وبيدرو، وأكبر دليل على ذلك الهدف الثاني، حيث لعب بيدرو دور الجناح المهاجم باقتدار وانطلق كالسهم من مكانه على الجبهة اليمنى إلى داخل منطقة الست ياردات ليضع الكرة العرضية داخل الشباك.
أما الخطيئة الثالثة فكانت لعب ريال مدريد بطريقة الدفاع العميق، حيث لعب مدافعوه من أمام خط منطقة الجزاء وأمامهم مباشرة ثنائي الارتكاز، ما تسبب في فجوة كبيرة بين النصف الدفاعي للفريق والنصف الهجومي، وأهدى وسط الملعب على طبق من فضة لشابي وإنييستا.
وأخيرا أخطأ مورينيو في الاعتماد على خضيرة وشابي ألونسي كثنائي ارتكاز، متوقعا منهما الدور ذاته الذي لعبه خافيير زانيتي وستيبان كامبياسو عندما كان مدربا لإنتر، وهو ما أثبت فشله، حيث أن ألونسو في الأساس صانع ألعاب من العمق، وخضيرة لاعب وسط ذو نزعة دفاعية، لكن ليس أي منهما من هو رجل المرساة الذي يقوم بتكسير هجمات المنافسين.
النتيجة كانت سيطرة تامة لبرشلونة على وسط الملعب، حيث وصلت نسبة الاستحواذ في بعض الأوقات إلى 68% مقابل 32%، بينما وصلت عدد تمريرات شابي إلى 110 تمريرة صحيحة في 87 شارك فيهم قبل خروجه.
تفوق بيب وشابيلكن برشلونة لم يفز لخطايا مورينيو فقط، فلم يقع غوارديولا في فخ الاعتماد على ميسي وحده مثلما حدث في دوري أبطال أوروبا، حيث جاء الهدف الأول عن طريق تطبيق مثالي لنظرية المهاجم الخدعة False Nine، حيث بدأت الهجمة من ميسي في دائرة المنتصف عند إنييستا في الثلث الهجومي الأيسر، وانطلق شابي من العمق إلى داخل منطقة الجزاء في الوقت الذي كان فيه فيا على الجانب الأيسر بعيدا عن المنطقة.
كما لعب برشلونة بخط دفاع متقدم، وهو ما صعب على ريال مدريد لعب الكرات المباشرة إلى نصفه الهجومي الذي بدا كل واحد من لاعبيه منعزلا، فسهل مهمة قطع الكرة وارتدادها بسهولة إلى برشلونة في أماكن خطرة.
تبديلات غير مؤثرةمع انطلاقة الشوط الثاني، أجرى مورينيو تغييرا بخروج أوزيل غير الموجود وإشراك ديارا من أجل سد ثغرة المنتصف وتكسير هجمات برشلونة، كما لعب بخط دفاعي متقدم من أجل الضغط في منتصف الملعب على منافسه وقطع الكرة مبكرا، مع إعطاء المزيد من التعليمات الهجومية لراموس ومارسيلو.
ورد غوارديولا بأن طالب لاعبيه بامتلاك الكرة تحت أقدامهم والانطلاق بها من العمق مستغلا مهاراة ميسي في المراوغة، من أجل إجبار خط دفاع الريال للعودة إلى الخلف.
وتسببت ثغرة مارسيلو في هدف ثالث، فأجرى مورينيو تغييره الثاني بنزول أربيلوا أملا في سد الثغرة التي استغلها ميسي وبيدرو كثيرا وتسببت في الهدفين الثاني والثالث.
واستغل برشلونة اندفاع راموس للمساندة الهجومية، فأحرز الهدف الرابع من طولية بينية إلى فيا الذي أحرز هدفه الثاني في المباراة.
تغييرات للثقة والراحة وهدف خامسوعلى العكس من مورينيو، كانت تغييرات غوارديولا أكثر توفيقا، حيث شارك بويان بدلا من فيا، فيما شارك جيفرين بدلا من بيدرو وسيدو كيتا بدلا من شابي نجم المباراة الأول.
وبالرغم من أن تغييرات بيب لم تكن تكتيكية، حيث أشرك كل لاعب في نفس مكان اللاعب الأساسي، فإنه استطاع الهدف الخامس بتعاون بين بويان الذي مر من الجهة اليمنى ولعب كرة عرضية أرضية إلى جيفرين القادم من الجهة اليسرى إلى داخل منطقة الجزاء في تطبيق ناجح لدور الجناح المهاجم، أحرز منها الهدف الخامس.
ومع صافرة النهاية، استمتع غوارديولا بطعم النصر الساحق على غريمه اللدود للمرة الثانية في ولايته، وأثبت بالدليل القاطع أنه عقدة حقيقية للفريق الملكي الذي حقق عليه فوزه الخامس على التوالي بنسبة تفوق 100%.
أما على الجانب الآخر، فمن المؤكد أن مورينيو تلقى درسه الأقسى في مسيرته التدريبية، ومن المؤكد أيضا أن ليلة التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر لن تنمحي من ذاكرة "الاستثنائي" كلما انتابه الغرور!